دليلك في الشوطوكان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دليلك في الشوطوكان

مجموعة للتواصل لتبسيط مفاهيم الكاراتيه شوطوكان بالمغرب
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الثقة بالنفس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Abdel
Admin
Abdel


عدد المساهمات : 310
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 06/07/2016
العمر : 72

الثقة بالنفس Empty
مُساهمةموضوع: الثقة بالنفس   الثقة بالنفس Emptyالإثنين أكتوبر 17, 2016 4:27 pm

الثقة في النفس


" تقدير الذات ، حب الذات ، معرفة الذات ، إثبات الذات  ، تحقيق الذات ،  الثقة في الذات " . هذه التعابير أو ما شابهها  ، مقرونة مع بعضها البعض بصفة عشوائية ، تملئ الكتُب و المجلات و مواقع  الأنتيرنيت  أو البرامج  المخصصة لعِلم النفس وللعلاقات المهنية أو الخاصة و للتأطير الرياضي و للتطور الشخصي و للرياضة و للدفاع عن النفس .
إنها تعابير غير محدَّدة ، تحُلّ محَلّ بعضها ، كلها مرتبطة مع بعضها دون شرح هذا الإرتباط  ،و مُزيَّنة بنصائح صبيانية، غير منطقية ، تعزيمية : إنها الترسانة الكلاسيكية للمُشعْوِد  النفساني.

غير أنها تُدغدِغ فِكْر الممارس للفن الحربي المتطلِّع للتمكُّن من فنه, لذلك وَجَب تحديد المفاهيم و استيعاب مخارجها لكي لا نسقط في فخّ أصحاب الخطابات الرَّنانة .

البودو ، أو فن الحرب  الياباني  (budo) ، كما هو الشأن بالنسبة للبوجوتزو (bujutsu) الذي سبقه ، هدفه هو التغلّب على العدو  . الساموراي يَعْلَم أنّ العدوّ الأساسي هو  بداخله . ( أنتهت خدمة السّامورايْ في عهد المَيْجي (1868-1912) لكن المفهوم بقي عالقا عند عدد كبير من اليابانيين ) . هذا العدو بداخل الإنسان هو الأنا ( الأنانية ، الغرورية ، الإعتداد بالنفس ) . لكي يتغلّب على خصومه ، يجب على السّامُورايْ أن يقطع رأس عدوّه الداخلي. . التجربة الطويلة لآلاف السنين لهؤلاء المحاربين النّبلاء تشير إلى الأنا بأنه هو العقبة الأولى أمام اكتساب ذهن فعّال ، نّقِيّ و هادئ  ،و هي صفات تمثل مفتاح التّحكّم الحربي.

مقابل ذلك ، هناك اقتراحات عديدة لِحُكَماء  النفس في العصر الحديث (احترام الذات ، حبّ الذات ، أن تكون أنت ، الوثوق في الذات ، إثبات الذات ، تحقيق الذات) توحي بتعظيم و تضخيم و الثّناء على الأنا . الممارس الحقيقي لن ينخرط في هذه الأمور لأن هدفه الأسمى (مثل الساموراي) هو منع تشويشات  أناه .
بعد أن بيّنا هذا و شطّبنا على النصائح المخالفة للبودو ، يتبقّى لنا : " الثقة في الذات " و "معرفة الذات بالذات " غير أن أصحاب النصائح  أعلاه لا يفرّقون بين  "الوثوق في النفس"  (être sûr de soi) و "التقة بالنفس" (avoir confiance en soi) وسنحاول التمييز بينهما .[ ربما لا يعني هذا الفرق شيئا باللغة العربية ، ولكننا نقوم هنا بالترجمة في احترام تام    لآراء الكاتب ] .

الوثوق في النفس être sûr de soi ، تصرّف يُرْهِب

إنه تصرف غالبية رجال السياسة و السّاسة و الرّؤساء الصغار و غير ذلك مِن مَن يفرض وجهة نظره على الآخرين و لا يقبل بغيرها . سلاحهم هو الخطابات الطويلة و المُمِلّة التي تنطوي على تزوير الحقائق و قلبها و تقديمها في قالب من  الحقيقة الدّامغة  التي تستحوذ على ضُعفاء العقول و تستميلهم . العديد من الناس تستهويهم هذه الطريقة و يتَّبِعونها من أجل الرُّقِي اجتماعيا .
نفس الشيء يقع  في سياق العنف الجسدي . بعض الأشخاص هم واثقون في قوّتهم البدنية ، في تقنيتهم ، في قدْرتهم على القضاء على التهديد ، في قدرتهم على السيطرة و على التحطيم ، أو يحاولون الظهور بذلك باستعراض عضلاتهم أو عدد درجات حزامهم . و آخرون يُسحِرهم هذا المنظر و يحاولون اكتساب هذا النوع من الوثوق بالذات .

لذلك تجد عددا مِن مَن أعلنوا أنفُسَهم خبراء في ميادين عديدة من الرياضات الحربية و الدفاع عن النفس ، يختارون   تعليم ردود الفعل المُبْهِرَة .  بالنسبة لهم ، الملاحظة والتفكير يأخذان وقتا طويلا. الدماغ مُدرَّب على إعطاء جواب واحد  يُطْلِق فَوْرِيا الأوتوماتزمات المُسَجَّلة مُسْبقا.

هذه الطرائق بجميع أنواعها ( عسكرية ، بوليسية ، للجمهور العام ) هي مُخصَّصة  لاستيعابها في وقت وجيز، لكنها لا تُنْتِج سوى أجوبة تقنية عنيفة ضد الإعتداء و تترك جانبا العمل الضروري على الذات في المدى الطويل . ليس هناك مَحَلّ لِمِيزات الذّهن المصيرية خلال المنازلة . البحث عن فعّالية فَوْرِية مفْتَرَضة ، بدون التأني المؤقت الذي تفرضه الملاحظة و التحليل ، بدون تفكير فلسفي أو أخلاقي مُسْبَق ، لن يؤدّي إلا للدّمار، عكس التناسق الكوني المّراد من طرف المقاتلين الحقيقيين .

"الثقة في النفس" (la confiance en soi):  إدراك للواقع أم إيحاء ذاتي ؟

لِنتَفحَّص العبارة " الثقة في النفس" . الثقة : شعور بالأمان ، بالاطمئنان لدا شخص يثق كلّيا بشخص آخر أو بشيء ما . الثقة في الآخر تتحقّق بفضل الخصال أو المهارات التي نعترف له بها . لكن هناك مشكلة :  الخصلة المزعومة ليست ضمانة بوجودها .  في اللغة الفرنسية القديمة كان نصف الكلمة يدلّ على الإيمان (fiance)، يجب التوفر في بعض الأحيان على الإيمان لكي تحصل الثقة . لِنتذكَر وزير المالية في البرلمان و هو يقول سنة 2012 " أقول لكم ، العينين في العينين ،  ليس لي حساب بنكي بسويسرا " ، حتى أن رئيس الدولة و وزير آخر إقتنعا بتصريحه و قرَّرا الدفاع عنه . لكن نعرف النتيجة : لقد كان للوزير بالفعل حساب بنكي في سويسرا.

فِعْلا ، يمكن أن نُخادَع ، لكن ، هل يمكن أن نخادِع نفسنا ؟ كلمة "نفسنا" ، أو الذات ، هي أوّلا  كيان مادّي ، جسد بمواصفات خاصّة ، بقدُرات و عوائق ، بقدرة وبضُعف ، يمكننا التّعرّف عليها لكن ليس دائما بطريقة صحيحة . مَن مِنّا لم يتفاجئ يوما بالفشل في فِعْل كان يظن التمكّن منه  أو العكس بالعكس ؟ يتعلق الأمر أحيانا  بالحظ أو سوء الحظ ، وفي الواقع سبب ذلك هو تخمين خاطئ لقدراتنا . الكيان الذي يعرف و يدير الجسد هو الذهن ، غير أنه بما أن الجسد كيان جدّ معقّد ، فالذهن بدوره يَعُجُّ بمضامين لم يتناولها العِلم بعْدُ بالتفصيل . ليس لنا اليقين التام في كيفية  اشتغاله ، بل لدينا بعض النظريات التي أصبحت المرجع الثابت لشرح التصرفات الغير الطبيعية أو العنيفة .
من الواضح أن الذهن لا يقودنا دائما بطريقة مثالية لأنه دوما مُعرْقَل بظواهِر نسبيا لا شعورية ، غير منطقية ولا نتحكّم فيها و التي تُشَوِّه أو تحجب الواقع الذي هو في متناول حواسّنا وذكائنا .

لو افترضنا أن الثقة الحقيقية  –  مقابل الثقة النفسية المحظة التي ليست إلا نوعا من الإيحاء الذاتي (autosuggestion) – تنبني على معرفة حقيقية و ملاحظة خالية من التشويش ،  فإن المُعتقدات و الظّنون و التخيّلات التي تملأ الوعي يمكنها أن تُغذّي خُرافات و تُؤدّي إلى انهزامات مؤلمة .
أمّا التذكير الدّاخلي بعبارات " أنا أستطيع أن أفعل كذا" ، " أنا أثق في نفسي" ، فهذا ضرب من طُرَّهات علماء النفس المُهَرّجين  .
لوضع الثقة حقيقيا في النفس ، يجب التعرُّف على النفس ، التعرّف على كل الإنضباطات السلوكية و النظريات المُخادعة و الأوهام ن و المشاعر والأحاسيس التي تسكن وَعْيَنا و يتكوّن منها الأنا ، أي الكِيان الذي يُدير التصرّفات ، ثُمّ فَهْم كيف تُأثِّر علينا .
هذا هو دور التأمل (méditation) الذي يتفحّص الذهن وكذلك  دور اختبارات  مُعيَّنة لتقييم قدراتنا و حدودها على الصعيديْن الجسدي و الذهني لمعرفة مدى قدرتنا على تجاوز العقبات  ، شريطة أن نمارس ذلك بدون مجاملة أنفسنا .

التأمل بوضعية السيزا هي مقاربة أولية ، لكنها غير كافية للتعرف على الذات بصفة دقيقة . لِفهم  ، مَثَلا ، كيف تَحُلّ المشاعر في الذهن و تنعكس على الجسم ، يجب أن يقع التأمل حينما نكون فعلا مُرتَبكين بالخوف ، بالغضب ، بالفرح ، بالحقد ، إلى آخره.
إن فترات التغييرات النفسية الكبرى التي يمكن أن يمرّ منها كل شخص ، هي الباب المفتوح على المعرفة الذاتية . التأمل الفعال يلتَسِق بالواقع الراهن . إنها النهج الضروري لمعرفة الذات و التطور نحو الحِكمة .
أما الإختبارات الأخرى ،  تِكْرارية ومتنوّعة ،التي لابد للشخص أن يفرضها على نفسه ،فوَجاهَتُها تعتمد على مدى واقعيتها .  في ميدان الفن الحربي ، إن التنويع في أشكال العمل هي التي  تسمح بالتمكُّن من الأوجه التقنية و الإستراتيجية و النفسية لحالة الإعتداء التي لا يمكن  عرضها في صالة التدريب بواقعيتها الفِعْلية  .

تبدو إذن عبارة " الثقة في النفس " غامضة شيئا ما . بالفِعْل ، ما هي العلاقة بين الثقة النفسية المحضة المُنْبثِقة من الإيحاء الذاّتي و الثقة المَبْنية على الإدراك الصحيح للواقع ؟
هذه الأخيرة يجب تقديرها تحت نوعين مختلفين : ثقة مُحدَّدة تطابق الوعي بالقدرة على تحقيق عملية محدَّدة بشكل صحيح ، وثقة عامة مرتبطة  بالخصال و المهارات العَرْضية (transversales) ، النّافعة في عدة أنشطة : المهارات الذهنية ، المعارِف العامة و النظرية ، خِصْلة الملاحظة ، التوازن العاطفي ، القدرات البدنية ، المهارات القابلة للتّكَيُّف ، الإرادة ، المواظبة ، إلى آخره . كل هاته الميزات تسمح بالتّكَيُّف مع الحالات الجديدة الطارئة والمُعقَّدة ، و التّغَلُّب على صعوباتها .
الثقة المحدَّدة تنبني على مُعطيات موضوعية : المهارات المطلوبة للتمكُّن من  عميلة  أو اختبار معيَّن ، مقارَنَة مع المهارات التي نمتَلِك . يمكن لهذه الثقة أن تكون من مستوى عال لو لم يُشَوِّش أي شيء على تقدير تلك المعطيات الموضوعية.
الثقة العامة تنبني على الإحتمال التالي :  هل القدرات العَرْضية و الخصال الأساسية و الترتيبات الذهنية التي نمتَلِك كافية لاستيعاب مَكوِّنات مشكل طارئ ثُم إيجاد الحل المناسب ؟

هذا النوع من الثقة ينطوي حَتْما على قدر كبير من الإرتياب الذي يمنعها من بلوغ أو الإقتراب من مستوى الثقة المُحدَّدة .
هذيْن النّوعَيْن من الثقة يحتاجان إلى مُعطَيات و مناهج مُغايِرة . الثقة المُحدَّدة لا يمكنها أن تَحُلَّ محلّ الثقة العامة كما يدّعي بعض أشباه علماء النفس.
لكي لا نعيش في الوهم – وهذا أمر ضروري في فنون الحرب – يجب على الثقة في النفس أن ترتكز على الواقع فقط  وأن تكون تَناسُبية مع قُدراتنا العامة والخاصة . إن هي تَجَلَّت بطريقة  أخرى ، فمعنى ذلك أن الأنا هو مَن يتحكَّم ، وهي الحالة الأكثر انتشارا لدى الأفراد  ،بالرّغم مِن أن القليل مَن يُدرِك ذلك .
الذَّوات التي لها أنا مُضَخَّم ، مُتكبّر  أو احتقاري تُلاحَظ بسهولة ويتِمُّ شجْبُها . الأنا هو مرض خاص بهم . غير أنه بالإمكان اعتبار أي شخص بكونه متكبّر ، متواضع ، هامِشي ، نَزَوي ، مُتألِّق ، رديء ، مُتسلّط ، خَضوع ، حيوي أو مُرْتخي ، فهذا لا يمنع من كون أناه يتحكم فيه .
الأنا  كلمة تعبّر عن التَّمَثُّل الذي لدينا عن ذاتنا و علاقته التّناغُمية مع  الكائنات أو الأشياء . كثيرا ما يُعْتَبَر الأنا أساس الشخصية ، لكنه في النهاية مجرّد مُعرْقِل للتطوّر الشخصي . بذلك ، هذه الصورة لدا الشخص عن ذاته ما هي إلا تصور وهمي للواقع بغَرْبَلة هذا الأخير   تحت منظور التّنميطات و المشاعر و الأحاسيس و هُفُوات الإدراك ، إذن تلك الصورة ليست وفيّة للواقع . 

عدا بعض الاستثناءات ، الجميع يُعاني من "أنا" كاسح  و مُستبِدّ ، يستحق القضاء عليه . لكن ، بما أن "الأنا" يُعْتَبَر جزءا من الذات ، فقليل مَنْ هُم مستعدّون لإقتطاع جزء من ذاتهم . إنه غلط كارثي ! لأن "الأنا" مجرّد  دخيل غير مرغوب فيه ، يُعَشِّش بداخل مُضيفِه الغير الواعي .
كثيرة هي العراقيل التي تحُول دون معرِفة كاملة للأنا ، غير أنها تنتمي كلها لترويض الأنا ، مِمّا يُقلِّص دائرة  المواجهة ضدها .  لم نذْكُر العراقيل كلها . هل نُدْخٍل دائما و بشكل صحيح في عملية معرفة الأنا اللّحظي – التّهيُّج ، العياء ، التّأثُّر ، النّواقص المترتِّبة عن تتوال الكحول أو المخدّرات ، الإصابات – التي يمكن لها أن تُعطِّل جزءا من قدراتنا البدنية و الذهنية ؟

الصورة التي يُرَوِّجها الأنا عن الذات ،  مثالية أكانت أم مُنْحَطّة ، هي دائما مُستَقِرّة لأنه يتمّ التغاضي عن التغيُّرات الظرفية التي تطرأ على القدرات البدنية والذهنية . للتّوَفُّر على ذهن جاهز و فعّال ،  قادر على  تحديد ما يمْكننا القيام  به في اللّحظة ، لا بدّ من التّخلّص   من كل عوائق الأنا . إنه مجهود  شاق – صعْب على الإنسان أن يعي بنقائصه – مجهود  شاق و طويل المدى في مراجعة الذات بدون هوادة ، يتيح في مرحلة أولى معرفة " العدوّ الذي بداخلنا" و فهم تأثيره و إدخال هذا المُعْطى في تحليل قدرتنا على مواجهة الصّعاب .
سنلْفُظُ الأنا ، بعدما نُصْبح مقتنعين  بكونه مصدر إزعاج لنا  ، وغالبا ما يحدُث هذا خلال مرورنا مِن  أزمة وُجودِية . بعد تطهيرنا منه ، سنحصُل على الولوج التام  لواقع العالَمَيْن الداخلي و الخارجي والتفاعل بينهما .

ليس كافيا أن يتعرّف الإنسان على نفسه و أن يكون له إدراك واضح لكي يتصدى للطوارئ . إنه من الضروري التقييم الدقيق للمصاعب التي سنواجهها . عِلاوة على ذهن  مُتَّقِد وثاقِب ، نحتاج إلى الوقت لكي نلاحظ و نقارن و نقرّر . لكن ذلك هو الحلّ الوحيد لنعرف هل باستطاعتنا المواجهة و بلورة ردّ الفعل .  في حالة الشّك ، سيكون من الأفضل قبول بعض التنازلات او الإنسحاب . يجب أن تستنِدّ الثقة الحقيقية على معطيات ناجعة  مُدَعَّمَة و مُنَقَّحَة، وإلا سيكون لدينا عمى البصيرة . نُدْرِك الآن العلاقة في المعنى  بين الثقة والإيمان  لأن الإيمان أعمى بطبيعته [أي ، لا يقبل التردّد أو الشّك] .
الممارس، الذي هو في حاجة ماسة لوضوح الرُّؤَى ، سيعمل كل ما في وسعه للتمكّن من إدراك صحيح و دقيق لِما يحْدُث و التفكير في توابعه وتقدير قُدُراته للتغلّب عليه . هذا الهدف قد تَمَّ احتواؤه  : العدوّ المُحَدَّد هو الأنا ،  بطَلُ ردود الفعل العشوائية عندما تغمره العاطفة .

التَّصَرُّف أَم التّفكير ؟

الفنان الحربي يواجه  مبدئيا المُعْضِلة التالية : أمام اعتداء متفاوت الخطورة ، إذا كان التمييز و التّبَصُّر مُسْتحَبّان ، يكون في بعض الأحيان ضروريا أن يكون المرء سريع التجاوب . يصْعُب ، خلال التداريب ،  التوفيق بين هاتيْن المقاربتيْن : التصرُّف أو التفكير
الهجوم فوْرا مع ترك ردود الفعل الطبيعية أو المُكتَسَبة تُعَبِّر عن نفسها مع إظهار اليقين بتمكُّن كبير ، هذا حلّ ممكٍن ظرفيا ، لكن العواقب متنوِّعة ، مِنها  :

- خطأ في تقدير موقِف الخصم
- الإنغماس  في العنف بسبب تحدّي بسيط
- تصعيد العنف
- الفشل أمام موازين القِوى
- اكتشاف شركاء للخصم ، بعد فوات الأوان .
- ردّ الفعل بكيفية غير متكافئة
- إدانة بالمسؤولية الجنائية،  في حالة غياب شهود
- الدّفع إلى المعركة ،  بدون شعورهم ، بأصدقاء أو زملاء .

كما أن أخد الوقت و التّروّي يسمح بالتجاوب بفعّالية، لكنه يتضمَّن خطرا :
- الإنهزام  والعجز قبل تقرير أية استراتيجية.

فكريا ، الخيار الأول غير مقبول . اللّجوء إلى العنف من أجل القضاء على العنف هو أبْشَع مِن الغلط  ، إنه آفة ، كما أنه يتضمَّن عدة عيوب. الخيار الثاني ينطوي على عيب كبير يعْتَبِرُه ممارسي الدفاع عن النفس كعيب تعجيزي. 

لِنحْكُم بأنفسنا  حسب ما يلي :

قبل كل شيء ، لابدّ من توضيح :  نحن نتكلّم عن الإعتداءات الحقيقية و ليس على الاعتداءات التي يكون فيها الضحية المُفْترَضة هو المعتدي الحقيقي – بعض الناس هم مِن طبيعتهم عدوانيين ويتفنّنون في إحداث المواجهات – ولا على الإعتداءات التي  تكون كلامية في البداية  ثم يُشْعِل فتيلها المُعتدى عليه. على كل واحد أن يكون واعيا بتصرّفاته ، وهو الأمر الذي يجب أن يُجْبِر المُنْدفِعين و العُدْوانيين و المُتعجْرِفين والمريضين بجنون العَظَمة بالتساؤل حول ضرر أناهم  .

غالبية الإعتداءات تتبع مؤشّرات واضحة قد  تترك الوقت الكافي لتكييف التصرّف مع واقع الحالة . لماذا  التسرّع مع إمكانية إيجاد حلّ سلمي في تسع حالات  من عشرة ممكنة ، أو على الأقل  إيجاد تجاوب ذكي و مسيطر عنه ؟
في هذه المرحلة من النزاع ، تكون خصال الذهن أهم من خصال الجسد . التقاليد تتحدّث عن التوزيع التالي من أجل الفعالية الحربية : %50  للذهن و % 50 في المائة للتقنية و القدرات البدنية . لكنه خلال المؤشرات الأولى للنزال ، الفعالية ترتكز في  %100 على الذهن .

ليس نافِعا  تفضيل التَّعلُّم التقني المَحْض كما هو معمول به في مناهج أسلوب الدفاع عن النفس . على عكس ذلك ،إن الرسائل الفلسفية و الأخلاقية و النفسية التي تتضمّنها كاطات الكاراطي دو تصنع ممارسين مُتَخلِّقين و واعين بمسؤوليتهم ، ويتحكّمون في اندفاعاتهم و عواطفهم . زد على ذلك أن البحث الدائم على الكمال في تنفيذ الكاطات و إعادة تركيبها (في الكيهون) و تطبيقها (في الكوميطي المُقّنَّن وفي البونكاي) يُهدِّئ التهوُّر و يُجْبِر على فهم أصل الإشكاليات  المُصادَفة .
في مِثْل هذه التمارين ، العدو الوحيد الذي يقف في وجه التنفيذ المثالي هو الذات ، جسما و ذهنا . هدف الفن الحربي إذن واضح : يجب أن تتطور خصال الذهن بمعية التمكُّن التقني .

قليلة جدا هي الإعتداءات التي تكون فيها المفاجئة مُطْلَقَة  و لا تترك أي مجال للتفكير . على كل حال في مثل هاته الحالة ، لا فرق  من ناحية النتيجة في ممارسة رياضة حربية أو أسلوب دفاع عن النفس ، أو فن حربي .على الأكثر يمكن تمني تفادي الموت من الإصدام الأول بفضل الحظ أو بفضل حركة فعالة  للحماية .  في هذه الفَرَضية ، إنه من العبث الإرتماء  في الحين بصفة عمياء في المواجهة ، باللجوء إلى إجابات مُقَنَّنة بينما يمكن للإعتداء أن يتَّخد مظاهر مختلفة و غير مضمونة . إنها مجازفة خطيرة . مِن الأفضل الدخول في مناورات للتفادي أو للهروب مِن أجل التملُّص من المواجهة أو من أجل تقدير موازين القِوَى للتجاوب بكيفية تمييزية و فعالة .

اللجوء إلى استعمال كلمات أو حركات مُهَدِّئة ستجعلنا نربح بعض الوقت من أجل الملاحظة و التحليل و تقرير التكتيك المناسب . شخص بالقرب من المكان ، أو شيء في متناول اليد ، أو  طوبوغرافية المكان  ، أو استراتيجية ذكية ، أو أي فرصة سانحة ، كلها أشياء يمكن أن تكون مساعدة ثمينة للدفاع عن النفس ، بينما التجاوب الإنتحاري يكون قد أغفلها كاملة .

في حالة فٌجائية تامّة ، لن تنفع أساليب الدفاع عن النفس في شيء لأنها ، بعد انتهاء المفاجئة ، قد تكون مُضِرّة . لماذا إذن تُحدِث كل هذا الإعجاب ؟  لأنها تطابق طلبا غامضا وأن  مٌرَوِّجيها يقدّمونها على أساس أنها فعّالة ، سهلة المنال واستيعابها سريع . لذلك ، قامت الجامعة الفرنسية للكاراطي ، أمام ضياعها لعدد من المنخرطين ، بتطوير "التدريب على الكاراطي الدِّفاعي (karaté défense training) لجلب منخرطين جدد ، وهي طريقة إضافية أخرى من سلسلة من الطرائق الإضافية  ، تُعْلِن جهرا توجُّهها التجاري المرتكز على مفاهيم و مصطلحات   يابانية و فرنسية وإنجليزية للجلب الزبناء .
إن النوادي الخاصة بالبودو الحقيقي قد أصبحت نادرة . غالبية النوادي ، اليوم ، هي أقرب من الرياضة الحربية و الدفاع عن نفس  وأبعد عن الفن الحربي ، خاصة بفرنسا حيث أن الجامعة أشاعت دائما فكرا أكثر رياضة منه من الفن الحربي ،وهذا هو ميْلها الأساسي .

هذا شيء مؤسف لأن البُودُو هو الطريق الوحيد الذي يصالح بين الأمان و السَّكينة (بالنسبة للفرد و للجماعة ) ، أوَّلا بفضل مزج التّمَكُّن الحربي و انبثاق مؤهِّلات روحية جديدة ، وثانيا بفضل احترام مبدئ أزلي : يجب التفكير قبل الفعل, ، وهاذا شرط لا غِنى عنه لعدم نشر الدمار حولنا .
البودوكا (الممارِس للبودو) المتكامل يتبع فلسفة واضحة و إنسانية تقود حياته بدون غموض . مِثْلُه مِثْلَ السامورايْ ، إنه يعيش كما يتدرّب بنفس التركيز و نفس اليقظة . إنها طريقة "كُوفُو" التي تعني تنفيذ كل شيء بكمالية تامة  . الإنتباه التام والدّائم لكل الأنشطة ، من التافهة منها إلى الهامة ، يسمح بملاحظة و تسجيل الحدث التافه ظاهريا ، التّفصيل الأصغر ، و المعلومة الاشعورية . لذلك ، البودوكا الحقيقي لا يكون متفاجئا أبدا .

"التّعرُّف على الذات جيِّدا " : ضرورة معروفة منذ عهد  الإغريق

التعارض بين التجاوب الإرادي و التجاوب ألاإرادي لا  يخصّ فقط مفهوم الإعتداء ، بل  يشمل جميع العلاقات مع الآخر. لكي نعلَمَ جيدا هذه الإشكالية علينا أن نتساءل عن أي فئة سيكولوجية ينتمي أولئك الذين  هُمْ دائما واثِقين في أنفسهم،  ولدَيْهم جواب على كل شيء، و الذين يتجاوبون بطريقة صاعقة ، عِلْما أن هذه التصرّفات لها علاقة وطيدة بين بعضها البعض .

التجاوب الفوْري ، بدني أو شفوي ،  مِن دون تفكير مُسْبَق ، لا ياتي كمُعْجِزة ، بل لقد تَمَّ تحضيرُه مِن قبْل ، تَحَسُّبا لِحَدَث أو مسألة لها نسبة عالية من الوُقوع . لذلك يكون هذا التجاوب تقْريبي لأن ما تتطلّبه اللحظة نادرا ما يطابق التوقّعات .
كما أن التجاوب الفوري يمكن أن يكون صادرا عن  التنميط  الإجتماعي و غيره (conditionnement) . في هذه الحالة سيكون معروفا مُسْبقا و غير صالح لإعطاء الذكاء ما يستحق من أخد المبادرة . أما إظهار الوُثُوق بكل فَخْر و ادِّعاء المعرفة المُطْلَقة بكل شيء ، فذالك نوع من المخادعة و التمْويه قصد التغطية على الجهل و العجز.

اللّذين يلجئون حَصْرًا  لهذه الأساليب ، يظنّون  أو يجعلونهم يظنون  أن هذه الأساليب هي الوحيدة التي ستمكِّنهم من التجاوب بفعّالية  و من إبهار الجمهور أو شخص مُعاكِس أو مُعْتدي . إنهم يخشوْن عدم كفاية قدراتهم على الملاحظة و التحليل و اتخاد القرار لمواجهة الطوارئ بالسرعة الازمة . إنهم يخافون أن يُفْهَمَ أيُّ وقت مُخَصَّص للتفكير من طرفهم كنوع من عدم القدرة أو افتقار للثقة ، الأمر الذي يتيح للخصم تنفيذ هجوماته.
إن استعمال هذه التمويهات ، على قدْر من الوعي بها ، تُوفِّر لهم شعورا بالأمان .  في الواقع ، أولئك الذين  يحتاجون إلى هذه الرّكائز لفرض نفسهم و للظهور بنفس واثقة ، لا يثقون في أصلا بنفسهم و لكن يريدون أن يظنّ الآخرون ذلك ، و في الأخير ، يستقرّ في ذهنهم أن الناس  يصدّقون الأمر. ما يظنّه اولئك  مِن ثقة في النفس ليس إلا نوعا من الإيحاء الذاتي. إنهم نوع مِن سَحَرة السِّيرْك و يُعانون من قلق غير ظاهر للعيان . لذلك لا غرابة في كونهم قلِقين لأن الوثوق بالذات هو  الطريق الخاطئ للسقوط في التّفاجُؤ بالخطر و السقوط في فخِّ سوء التقدير .

لو استثنَيْنا  أولئك الذين يظنون أنهم يثقون بنفسهم بينما هم  تُعْميهم التنميطات والإندفاعات، لن يتبقى سوى نسبة ضئيلة من ذوي الثقة بالنفس الحقيقية . هذا ناتج عن عدم الوعي بالشّرط الأساسي لبلورة الثقة بالنفس ،  و هو معرفة الذات و معرفة أنَّ الأنا يتفنّن في طمس هذه المعرفة بالذات و يشوِّهها ويتصنَّعها .

غير أن معرفة الذات لا يسمح بتخطّي جميع العقبات ، بل يعطي فكرة  يُعْتَدُّ بها عن قدرة التجاوب التي نمتلِك . يمكن تطوير تلك القدرة بالتَّعَلُّم و التدريب وبتطوير الخصال الذهنية . لكن إذا كان من السهل على الموْهوبين من الناس أن يكونوا على مستوى عالى من المعرفة الأكاديمية أو التقنية في ظرف بعض السنوات ، فإن السيطرة على الذهن تتطلب عملا شاقّا و طويلا لبلوغ مرتبة عالية من الوعي  " ما يسمى ب "موشين" ، " هِشِرْيُو" أو " كانْشُو" .  ممارسي الفنون الحربية الحقيقية يلِجون هذا المسار الوَعْر ، لكن لا يهملون ، مع ذلك ، الشِّق التقني ، وليس ذلك مِحْورهم الوحيد في العمل .
الثقة الحقيقية  بالنفس لا تأتي بالصدفة ، إنها نتيجة نوع من التّزهُّد ، وهذا لا يعني استحالة تحقيقها . في الحالة المثالية للوعي " كانْشُو" يكون الذهن في تفاعل مباشر مع الواقع ، الأنا غير موجود . لقد اختفَتْ جميع العراقيل التي كان يضعها بداخل الذهن . بذلك يمكن للثقة  في النفس أن ترقى إلى أعلى مستواها لأن العالم الداخلي و العالم الخارجي يَظْهران بأكبر وضوح .

إذا كان من الصّعب جدّا الوصول إلى هذه الوضعية الذهنية ، فإن  هناك  درجات أخرى سهلة المنال ، على الخصوص حالة "مُوشِينْ" ، التي تهدف إلى إسكات الأنا بصفة مؤقتة  ، حالة في المتناول مع شحنة من المجهود  الكافي . صحيح أن الذهن في هذه الحالة يحتفظ ببعض المناطق خارج السيطرة ، لكن على الأقل نحن واعون بها  و نستطيع التوفر على مستوى  محترم من الثقة ، أخْدًا بالإعتبار بهذا النقص .
الوثوق في النفس – وهي وضعية ذهنية قريبة من الثقة  السيكولوجية  المحضة في النفس و التي لا تبالي بالواقع الخارجي – هو  رغم ذلك  مُغْري  لكونه نموذجا شبه كوني للفعالية . ثُمّ إنه سهل المنال بالنسبة للثقة الحقيقية في النفس.  فهو عبارة عن تقنية كلامية و تموْضُعية يتعلّمها الإنسان بسرعة . ثُم من المفيد كذلك معرِفتها لأنها تَكْبِح قِتالية عدد كبير من الأشخاص و تُسَهِّل بالتالي  تقليص مدّة  التراشُقات المتشنِّجة معهم  . غير أنه يجب اللجوء إلى تلك الثقة بحذر و بصفة نادرة . إن اللجوء إليها بكثافة يمكن أن يؤدي بنا إلى أن نصبح واحدا من أولئك الأشخاص المتكبرين الغير المرغوب  فيهم  و الذين يعيشون  دوما في الخوف من انكشاف أمرهم .

إذا استوعبنا كل هذه الأمور ، فإن الحصول على ثقة حقيقية في النفس ( بفضل المعرفة العميقة للذات ، فكريا و بدنيا) مصحوبة بقدرة جيدة على الملاحظة و التحليل و اتخاد القرار ، ستظهر هذه  الثقة الحقيقية كهدف أساسي ( مُضْنِي ، لأنه وجَبَ إرغام الأنا على السكوت ، ولكن تحفيزي ) .
غير أن الوصول إلى مرحة عالية من الوعي مع وجود نقص في ميدان تقني بالخصوص ، لن يؤدِّي إلى شيء ، بل فقط  إلى عدم الثقة في القدرات التقنية . الزيادة في مستوى الثقة أمام الخصم يقتضي التطوّر في التمكّن من التقنيات و استراتيجيات الدفاع ، ثُمَّ القيام بالتقويم الذاتي بصرامة .
يجب التخلي عن الإستناد إلى المستوى الرسمي ، الدرجات المُسنّدة من طرف جامعة لا تعني شيئا في الواقع الملموس . لا يمكن لأي عضو من أعضاء لجنة الإمتحانات أن يدخل إلى عالم ذهنكم . غير أن الذهن هو القائد الحربي الذي سيقود جيوشكم ( القدرات البدنية  و الذهنية) نحو النصر . الجنود المُسَيَّرون بكيفية غير ملائمة هُمْ عالة ولا يصلحون لشيء ، بل هم خطر. على ذهنكم أن يكون كُفْأ  بهذه المسؤولية  و أنتم وحدكم مّن يستطيع تقدير جاهزيته لتلك المسؤولية وبالتالي تقدير مدى استطاعتكم فِعْلِيا على السيطرة عليه . 

إن مستوى فعّاليتكم يعتمد على درجة ثقتكم الحقيقية التي يسمح لكم بها الواقع الملموس ( أيْ ذكاء قائد جيوشكم و تحضيرات هذه الأخيرة و تجهيزها ، والكلّ مع الأخد بالإعتبار قوات الخصم .  بالفعل الثقة بنفسكم هي التي تسمح لكم بردّ الفعل بطريقة  مواتية و بهدوء و فعالية ، لكن يجب  قّطْعًا أن تنبني تلك الثقة على معطيات واقعية .

فَنُّ التَّساؤل 

من أجل التطور ، التدريب لا يكفي . إنه يسمح بالتحكّم أحسن في ما نعرفه ، ولا يسمح بتوسيع دائرة المعارف ، عِلْما أن أية معرفة لا تعني شيئا إن لم تؤدي إلى مهارة . هم وحْدَهُم يتقدَّمون مَنْ يتساءلون ، على شرط أن يجدوا الأجوبة . من أجل ذلك ، يجب التشكيك ، التشكيك في كل شيء ، إعادة النظر في كل شيء، التّخلى عن القناعات ، الملاحظة  المُتأنّية ، التحليل الدقيق ، بناء فَرَضيات ، التأكّد منها ، الإعادة من البداية بما في ذلك ما يظهر مُكْتَسَبا بصفة نهائية ، لأنه كيف التمييز بين ما نعرف ، ما نظن أننا نعرف و المعارف الخاطئة أو المُتقادِمة ؟  مِن الواضح أنه مِن الضروري وجود التحفيز و الرغبة في الإكتشاف ، في التَّعلُّم ، في تنمية مهارات جديدة شريطة التّعامل مع ذلك بكيفية صحيحة . يوجد فنّ للتساؤل . السؤال المطروح جيدا يجب أن يحتوي على بداية الجواب و لا يمكن إهمال أي مصدر للجواب.

في الميدان العِلمي ، لا يشتغل الباحثون لوحدهم . مَن  يضع السؤال (مادة البحث) ربما لن يكون الذي سيقدِّم الجزء الأهم من العمل و خُلاصته . كذلك هو الشأن بالنسبة للممارسة الحربية . إذا وضعتُم أسئلة وجيهة ، فستنالون أجوِبة . ليس مُهمّا أن تجدوها لِوحْدكم أو بفضل مساعدة (أستاذكم على الخصوص)  . مع ذلك ، إذا كان من الضروري  التأطير المُحْكَم للمُبتدِئ  لكي لا يتِيه (يجب التمكُّن من مستوى كافي للحُكْم على نجاعة  سؤال أو جواب ) فإن على حاملي الحزام الأسود أن يتَّجهوا تدريجيا نحو الاستقلال الذاتي خلال تطوّرهم .

لِنأخُدْ مثال : أُوي تْزوكي :

هذه التقنية تُنعَت من طرف ممارسين ذوي درجات عليا بأنها تقنية تربوية  فقط ، مُجرَّدة من كل واقعية . كل من يؤمن بهذا المبدأ لن يضع أي سؤال ، وأوي تزوكي سيظل مجرّد تقنية تربوية . هل هؤلاء الخُبَراء معهم الحق ؟ بالطبع نَعَم ، لأنهم خبراء !  ولكن ، هُمْ  خبراء في ماذا ؟ إن جُلَّهُم مُلَوَّث بفكر التباري الرياضي ، الميدان الذي غاب فيه الأهم وهو الفعالية .
مِن الأحسن البحث عن الفعالية الحقيقية  لأوي تزوكي الأكاديمي في الإطار الحربي للإعتداء . لكن ربما لن تظهر تلك الفعالية إلا بعد الإستيعاب  المُتْقَن ( الشيء الذي لا يحصل عند حاملي الحزام الأسود ، بدون شك بسبب الفكرة المُسْبَقة عن عدم فعاليته عند التعرّض لإعتداء المُقارن  تَعَسُّفيا بالمواجهة في التباري الرياضي) وبعد القيام ببحث شافي .

لهذا الغرض، سيعتمد البحث على فَرَضيات موضوعية : الخصم شارِد، يتراجع إلى الوراء ، يهجم من بعيد  بواسطة سلاح طويل ، تحرُّكاتكما مَعًا  تدفع بك إلى جانبه أو وراء ظهره ، أوي تزوكي يسمح في نفس الوقت بتجنُّب هجوم و مباغتة معتدي ثاني ، اليد في الهيكيطي تسمح قبل كل شيء بالمَسْك  ، بالتجميد ، بالتهديد ، بتغيير اتجاه هجوم مضاد ، إلى آخره . كذلك ،  يجب على الفَرَضية أن تُوَلِّد أسئلة : كيف الحصول على شرود الخصم ؟ لمذا سيتراجع بالضرورة ؟ هل الدخول في هجومه يوفِّر لي امتيازا ؟ ماهو هذا الإمتياز ؟ هل مَسْكُ تهديده ( يد ممدودة أو عصى أو شيء آخر) من أجل شلِّ حركته سيسمح لي بالإنجرار نحوه و تسريع الأوي تزوكي لمباغتته ؟ وهكذا مِن الأسئلة .
أجل ، لن تبْزُغَ هذه الأفكار و تبِعاتها بالصُّدْفة . إنها تحتاج لكي تظهر إلى مستوى تقني مُعَيَّن وإرادة قوية على السيطرة والإتقان و الفعالية ، وهذه خصائص مُتكاملة لفن البودو . عندما تكون الأُسُس  مُسْتوْعَبة ، يجب أن يؤدي هذا النوع مِن التنقيب إلى آفاق لإستعمال  واقعي  لأوي تزوكي الأكاديمي أو استعماله بتغيرات بسيطة مع وجوب تطبيقها .

بعض الإستعمالات ستكون بدون نتيجة والبعض الآخر ستكون له نتائج مُرْضية أو ستفتح آفاقا للتنقيب أكثر اتِّساعا . حبّ الإستطلاع ، الحاجة إلى الفهم ، انفتاح الفكر، حبّ التفاصيل ، البحث عن الكمال ، هي كلها أشياء يجب أن تسكُن في جينات البيدوكا الأصيل . إنه منبع النور الذي يضيء ما يبقى في الظل عند الآخرين .
هذا المنهج الإكتشافي لا يجب أن يُفْضي إلى فَهْرَسٍ من الإستعمالات المُتفاوِتة لتقنية معيّنة . لكي تكون قابلة للإستغلال ، يجب على اكتشافاتكم أم تنصّهِر مع معارفكم المُسْبَقة و أن تنْتَظِم حسب المفاهيم المعمول بها من طرفكم وذلك من أجل بناء مجموعة متناسقة ، وفهْم  التصدُّعات الممكنة و إعداد أرضية التساؤلات الجديدة .

إذا كان من الضروري التفحُّص الدقيق لكل تقنية من أجل اكتشاف كل احتمالاتها ، فإن الكاطا ، أبعد من تلخيصها في تسلسل حركات ، تُكْنِز كميات هائلة من التعاليم التي يمكن أن تساعد على السيطرة على الخصوم ، إن على المستوى الداخلي أو الخارجي . غير أن الكاطا ليس هدفا في حدّ ذاته . إنها أرضية للعمل ، مُخصّصة لإكتساب مهارات تقنية ، تكتيكية ، استراتيجية ، أخلاقية ، سيكلوجية ، وهي مهارات ترتكز بدورها على خصال بدنية و روحية.

إن تكرارها بلا ملل عمل غير كافي لإكتشاف كل غناها . في الواقع يُقارَن بين الكاطا و التعبُّد  "زَنْ" في الحركات ، مِثْلَ ال"زَنْ" يمكن للكاطا أن تؤدّي إلى الإلهام الذي ينير فجأة مناطق الظل التي كان يحتضنها الذهن . لكن هذا التبصُّر لا ينفي ضرورة البحث و التنقيب . التبصُّر ليس مُرادِفا للعِلْم المُنَزَّل (معرفة كل شيء) . لذلك يجب التكرار بانتظام  للكاطا و للتقنيات الأساسية ، ولكن يجب كذلك مساءلتهم . إنهم يحتوون على الأجوبة ، وسيقدّموها لكم إن عرفتم تقديم الأسئلة الصحيحة . عليكم بالصّبر ! المهارة الحربية لا تُكْتسَب في لمحة بصر  . لا تنتظروا كل شيء من أستاذكم .  إن قدَّم إجابة على تساؤل لم يخطر على بالكم مِن قبل ،  فلن تجنون منه طائلا لأنه ،لإستيعاب معرفة جديدة ، يجب أن تكون قد طلبتها.
إسألوا أنفسكم ، إسألوا الوقائع ، إسألوا ممارستكم ، إسألوا أستاذكم . إن مؤطِّرَ أبحاثكم هو أنتم .



 البيدو الحقيقي للثقة الحقيقية


الثقة  الحقيقية بالنفس ليست تصرُّفا أو حالة ذهنية دائمة  أو اليقين المُغْتَبِط بقيمة عليا للذات . إنها تنشَأ عندما نظن أننا نملك قدرات أعلى من القدرات التي تفرضها  صعوبة خاصة .إنها تنشأ عندما لا تكون معرفة الذات و الواقع مُشَوَّهة من طرف فساد الأنا . يمكن تطوير الثقة الحقيقية بشرط أن يكون الإنسان عَمَلِيا و أن يتجنَّب كل ما هو إيحاء ذاتي.

لتوسيع الثقة الخاصة ، يجب مواجهة الصِّعاب التي لم يتم بعد التغلُّب عليها ، لكن فقدان الثقة العامة يمكن أن يؤدّي إلى التخلّي عن ذلك . إن تطوير الخصال و المهارات الأساسية و العَرْضية سيرفع مستوى الثقة العامة التي سنضعها في نفسنا أمام الجوانب المجهولة لعملية جديدة أو  طارئ غير منتظَر . لذلك ، فإن تدعيم الثقة العامة يساهم في توسيع محتواها من الثقة الخاصة ، لأننا لن نتهرًّب ، أو ناذرا ، أمام صعوبة جديدة وغير مألوفة. على أنه ، بالرغم من تأكيدات أشباه عُلماء النفس، لا ينطبق ذلك في الإتجاه المعاكِس  : التمكُّن من نشاط جديد لا يزيد في الثقة الحقيقية العامة، ما عدى إذا  كان تقابلة للنقل  أو كانت مرفوقة بزيادة في الخصال الأساسية .

إن فن الحرب يهدف إلى اكتساب الثقة الواقعية لدا الممارس الذي يواجه عدة أشكال من العنف : الجسدي ، اللفظي أو الخفيّ . إن جَعَلَه واثقا بنفسه ، فمعناه لم يتحقق الهدف من الفن الحربي . الثقة الحقيقية  لا تندمج مع اليقين . لكي يكْتسِبها ، على الممارس أن يطمح إلى تحقيق هدفيْن :
• مِن جهة ، إسكات أناه أو من الأفضل القضاء عليه ،الأمر الذي يُخوِّل لنا  جودة الملاحظة الخالية من العيوب و معرفة الذات بدون تزييف ، لأن الأنا سِجْن لا تنتهي فيه الصُّراعات الداخلية ، وحيطانُه تمنع مِن رؤية واضحة للعالم الواقعي.
• مِن جهة أخرى ، اكتساب عِلْم المواجهة مِن أعلى مستوى ممكِن .

غير أن حَلَّ المشاكل الحياة اليومية يقتضي  أولوية خصال فكرية ، ذهنية ، تفاعُلِية و أخلاقية ، أما المهارات التقنية و المُتخصِّصة فهي مطلوبة في الدرجة الثانية . لذلك ، فإن ممارسة فن حربي حقيقي ( الذي يُنَمّي في نفس الوقت جميع خصال الذهن و جميع القُدرات بدنية  و تقنية حربية كاملة) يُحَسِّن بالملموس الثقة العامة في النفس ، بما أن الخصال العَرْضية العديدة و الأساسية ، البدنية و النفسية ، الضرورية لممارسة حربية ناجعة ، ستكون نافعة في عدة أنشطة و حالات  معينة .

لا يجب اتخاذ الطريق الخطأ . الظُّهور بوثوق في النفس ، مع نفخ العضلات أو بإظهار الغطرسة هي وَضْع يسهُل اتخاده بسرعة ، خصوصا أنه ليس من الضروري أن يكون الإنسان كفؤا ، وهذا ما يجعل ذلك الوضع جدّابا ، لكن يحبس صاحبه في الضَّنَكية ( وَضْع في دون المستوى) .

إن تنمية الثقة الواقعية في النفس طريق طويل و ممتلئ بالأفخاخ ، البعض منها مُنَفِّرَة . وفي الأخير ، حصيلة الخيارَيْن ليست متطابقة ، بل أبعد من ذلك "

- على المستوى الشخصي : بما أن الأنا  قد تُرِكَ جانبا ، فإن المعرفة الكاملة للذات و الإدراك الواضح للواقع يسمحان بسُمُوٍّ الفن الحربي إلى  قِمَّتِه . وليس هذا فحسب ، بل أن هذه القدرات الروحية الجديدة ( بِفتْحِها لأبواب اليقظة و الحِكمة و السَّكينة )  تسْمو بالممارس الذي استطاع التغَلُّب على عقبات المسار  و تُنير جميع ميادين حياته .

- على المستوى الجماعي، كلما تَقَدَّمَ  إنسان ، فالحضارة كلها تتقدم. بالفعل ، إن الأشخاص الذين هُمْ سُجَناء أناهم ،  الغارقين في عثراته ، يُغَدّونَ بدون شعور عاهات المجتمع المبني على هيمنة البعض عن البعض الآخر ، الذي يكون فيه الجدال الفارغهو  نتاج العنف و الخِداع و الإزدراء . الثقة الحقيقية التي يمكنهم وضعها في أنفسهم أو في غيرهم هي جدّ محدودة .
إن اللذين استطاعوا قطع أوصال أناهم هُمْ أُناس مُتَفتِّحين و وثقين في قدراتهم بما أنهم يعرفون أنفسهم جيدا . إنهم مُهَندسي عالم من التعاون ، هادئ ومُسالِم ، الذي يمكن أن توجد فيه ثقة مُتَبادَلة بين أفراد مُتَخَلِّصين مِن تقلُّبات الأنا .
ليست جميع الطُّرُق تؤدّي إلى الجنَّة ، إن شيئا مِن التمييز ضروري و نافِع عند اختيار الطريق .

تَرْجَمْتُه بتصرُّف عن موقع :

http://www.goshinbudokai.fr/confiance.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shotokan.ahlamontada.com
 
الثقة بالنفس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دليلك في الشوطوكان :: مقالات حول المفاهيم العامة :: مفاهيم عامة-
انتقل الى: