ترجمة نص :
مفهوم المركز في الفنون الحربية
مفهوم المركز (أو الوسط) أساسي في الفنون الحربية للشرق الأقصى، هذا طبيعي بالنسبة لحضارة لا تعترف بتفاهة الأشياء ، بل أن كل مفهوم أو مبدأ وراءه واقع باطني أو روحاني. مفهوم المركز لا يستثنى من هذه القاعدة !
في الفنون الحربية، البحث عن المركز والسيطرة عليه هو بحث لا يضاهيه سوى البحث عن حجر الفلاسفة أو عن الكأس المقدسة كما ورد في الغرب و أساطير القرون الوسطى.
لفهم ما سيتم عرضه ، يجب الإنطلاق من مبدء أنه يمكن تجزيء الكائن البشري إلى عدة مراكز أو مناطق. من طبيعة الحال، هذه التجزئة ليست رسمية، بل تساهم فقط في بناء إطار نظري للفهم الواضح لما سيأتي من أفكار.
سيكون لدينا :
- منطقة اجتماعية
- منطقة بدنية أو جسدية
- منطقة معرفية أو فكرية
- منطقة عاطفية أو وجدانية
- منطقة روحية أو دينية
- وما يمكن أن نسميه الأنا (ليس بمفهوم فرويد) الذي يكون جوهر الفرد.
كل منطقة تطابق مركز.
إن التمكن من مفهوم المركز له أهمية تتجاوز إطار الفنون الحربية. فمثلا في ثقافة إفريقيا جنوب الصحراء، أفضل راقصين هم من يستطيعون السيطرة على مركزهم من خلال تسلسل لوحات معقدة من الرقص. الحركات التي هي في الغالب دائرية تهدف إلى جعل الراقص يفقد مركزه ، ثم يبحث عنه للسيطرة عليه.
مثال آخر : واحد من أساليب الكونكفو أصبح مشهورا بعمل مماثل : الزويكوان أو ملاكمة الرجل السكران. مفهوم هذا الأسلوب هو تقليد الحركة المختلة للسكران من أجل تعلم السيطرة على المركز. لذلك ، فخبراء هذا الأسلوب يتمتعون بحس للتوازن خارق للعادة ! يستطيعون التوازن على رجل واحدة و الضرب بالأخرى والسقوط إلى الوراء في نفس الوقت أو الدوران بالجسم في جميع الإتجاهات كما لو أنهم بدون هيكل عظمي .
هنا وجب بعض التوضيح علاقة بالأفكار السائدة التي تتكون لدينا على العموم : ممارسة هذا الأسلوب لا تعني تناول الكحول. المبدأ هو إعادة إنتاج نتائج الكحول على الذات ( استرخاء العضلات و الذهن، البهجة) لأنه ، وهذا مثبت علميا، كلما كانت عضلة مسترخية كلما كانت ردود الفعل سريعة. غير أنه في الصين يقع مطالبة التلاميذ من بعض الأساتذة لتناول شيء من الكحول لتجريب مفعوله.
لقد فهم سريعا خبراء الفنون الحربية أنه للتغلب على الخصم ، يجب القيام بفعل على مركزه ، و من أجل ذلك وجب أولا العثور على مركزه ! كل العمل في الفنون الحربية له هدف واحد : الحصول على مركز الآخر وقدرة التحسس به. الشخص الذي يعثر على مركز الآخر يستطيع أن يحركه.
رجوعا إلى موضوعنا ، وجب التذكير بأن مفهوم المركز له علاقة أكثر مع تحديد موقعه الجسدي ، وإلا تكون أهمية الفنون الحربية ضئيلة.
إذا استطعت تحديد موقع مركز الآخر ، أستطيع أن أحرك هذا المركز و بالتالي أستطيع هزم الآخر. هذا الكلام يذكرنا بطبيعة الحال بكلام العالم أرخيميدس الذي كان يقول : " أعطني نقطة ارتكاز و رافعة ، و سأرفع الكرة الأرضية "
أهمية هذا المفهوم أن له عدة تطبيقات نظرا لأننا لدينا مراكز مختلفة. ماذا يعني ذلك ؟
عند البعض ، يكون المركز على المستوى البدني : نشاط رياضي سائد، حب الشهوات ،البهرجة ، التباهي...
عند البعض، يكون المركز على المستوى المعرفي أو الفكري : اهتمام كبير بالأنشطة الفكرية، الدراسات ، الأبحاث...
لدا البعض مركز عاطفي : اهتمام كبير بالعلاقة مع الآخر، بالزواج ، بالصديقة أو بالصداقة.
عند آخرين يكون المركز روحيا : اهتمام كبير بالحياة الدينية، الحياة الروحية.
عند آخرين يكون المركز اجتماعيا : اهتمام بالعائلة ، بالأنشطة الجماعية، بصورته في المجتمع ، وخاصة المظاهر التي يعكسها على الناس. في هذه المجموعة نجد غالبا البنكيون و رجال السياسة ( أناس تحتم عليهم مهنتهم العناية بالمظاهر).
كما ذكرت سلفا، إذا وجدت مركز الآخر فإنه يصبح ضعيف، سريع التأثر. هذا ينطلق من مبدأ بسيط : " إذا أدركت أنا مركزي، فهذا مصدر قوة لي ، لكن إذا أدرك الآخر مركزي فسيكون ذلك مصدر تهديد".
غالبا ما نجد تعبيرات متداولة مثل : " أفقدني صوابي، أخرجني من ذاتي". هذا يحيل على أن المرء قد أصيب و تم إخراجه من مركزه.
أكرر ذلك : ترتكز الفنون الحربية على اكتشاف مركز الشريك والتأثير عليه من أجل تحقيق الهدف المنشود، أما التقنيات فما هي إلا دعائم أو وسائل فقط.
ماهي التطبيقات العملية ؟
هذا شيء بسيط . إذا كان مركز الشخص في :
1 – المنطقة البدنية :
بالنسبة لرياضي من مستوى عالي و قد تعرض لحادثة خطيرة، فقد أصيب في مركزه. إنه ضيع مصدر عيشه، لقد كان هو ذاك مركزه.
بالنسبة لشخص يعير اهتماما كبيرا لمظهره الخارجي ( شخص جميل جدا مثلا) فغالبا ما يوجد مركزه في وجهه. إذا هجمت على وجهه ، يمكن أن أنتظر منه موقفين مؤكدين:
- إما أن ينهي فورا المواجهة و لو بخسارة تامة، لأنني ألحق الأذى "بسلامته الجسدية".
- و إما سينقض علي بصفة حيوانية ،إذا كنت قد آذيت وجهه كثيرا، لأن مركزه تعرض للتشويه.
2 – المنطقة الفكرية :
هنا وجب التذكير فقط بحالة التلاميذ و الطلبة الذين يخفقون في الإمتحانات : حالات انتحار، اكتئاب ، صدمات.
3 – المنطقة العاطفية :
حالات الأشخاص الذين ينفصلون عن أصدقاء أو صديقات، الأشخاص الذين أنهوا الحياة الزوجية أو صداقة قوية فيغرقون في الحزن إما بسبب أنهم تفانوا كليا في تلك العلاقة و إما أن الشخص المحبوب لديهم كان كل شيء بالنسبة لهم. أي كان مركزهم !
4 – المنطقة الروحانية :
هنا يجب التمييز بين الروحاني و الديني. المتدين ليس بالضرورة روحاني( إذا كان تدينه يقتصر على شكليات خارجية من التعبد). لكن الروحاني يعبر عن ذاته بصفة عامة عن طريق الدين ( حالة المتطرف)
5 – المركز الإجتماعي :
حالة الأشخاص الذين يفقدون عملهم أو يطردون منه، فيغرقون في الإكتئاب.
كيف علينا أن نعمل لتجنب إزاحتنا عن مركزنا ؟
لقد واجه خبراء الفنون الحربية هذا المشكل : ما العمل أمام منافس يستطيع أن يكتشف مركزي ؟
من هذا الإنشغال تولدت أجوبة من بينها ما يسمى كايشي وازى أي التقنيات ضد الممسكة (من فعل مسك)
ماهو صلب الإشكالية ؟
أمام المشاكل المطروحة هناك حلين ظاهرين:
- الحل الأول هو التوفر أو خلق عدة مراكز. لكن هذا غير ممكن لأنه لا يمكن أن يتواجد الإنسان في مكان آخر بنفس الوقت ، كما أنه من المستحيل أن يكون الإنسان بارعا بنفس المستوى في عدة ميادين في نفس الوقت.
الفكر البشري مخلوق ليشتغل مع نقطة ارتكاز أو نقطة مرجعية واحدة . ما العمل إذن ؟ الحل الغير المناسب يحيلنا على الحل المناسب : إذا لم أستطع أن يكون لدي عدة مراكز، يمكننني فعل شيء آخر : تغيير مكان مركزي !
هذا هو الإكتشاف الكبير الذي توصل إليه خبراء الفنون الحربية و الذي فهموه مبكرا.
مثلا ، أمام شخص سيهاجم مركزي العاطفي بتوجيه إهانة لفظية أو كلمة نابية تجاه زوجتي أو صديقي، يمكنني تغيير مركزي من المنطقة العاطفية إلى المنطقة الفكرية مثلا مع القول مع نفسي أن هذه الألفاظ مجرد كلمات و من تم سأظل سيد نفسي.
أمام شخص يهاجم مركزي الديني، يمكنني تغييرذلك المركز من المنطقة الروحانية إلى المنطقة العاطفية مع القول مع نفسي : "على كل حال ، العلاقة مع الخالق تبقى شخصية !" في تلك اللحظة ، الشخص الذي أمامي سيصبح مندهشا لأن ما كان ينتظره مني لم يحدث !
خلاصة القول ، التمرين على تغيير موقع المركز، هذا مفهوم ليس بالفضفاض إذا تمعنا فيه !
فبالفعل، كلما كان الشيء سميكا، كلما سهل نقله وتحريكه مع تحديد مركز ثقله. مثلا لا يمكننا نقل الماء السائل أو ثعبان لأنهما ليس لهما مركز ثقل قار. الثعبان له مركز تقل في تحرك دائم ، لذلك يصعب القبض عليه.
إذا استطعت فهم هذه الأشياء، فيمكنني أن أتقدم في حياتي و في فهمي للفنون الحربية. بطبيعة الحال، هذا عمل حياة بأكملها، عمل تجربة وعمل إحساس.
إن تكرار التقنيات في الفنون الحربية ماهو إلا وسيلة لمساعدتنا على اكتشاف مركزنا، لأن اكتشاف مركزنا هو في الواقع اكتشاف قوتنا !
ترجمته عن موقع :